التقارير الصحفية المتداولة عن القبض
على إسلام بحيري، قبل الإفراج عنه لاحقًا، "حَبلى" بالمفاجآت والمفارقات
الطريفة والصادمة في آن، ربما تصلح لمجموعة "إسكتشات" كوميدية"
كالتي كان يقدمها الموقوف في برامجه، أو أثناء استضافته، أو إجراء مداخلات معه؛
باعتباره "المهدي المنتظر"! بعض هذه المفارقات واضحٌ جليٌّ، وبعضها
تائهٌ خفيٌّ بين ثنايا السطور والكلمات، وإحداها شديد السُخف والسماجة، ثم يعقب كل
ذلك ملاحظتان مُهمتان، يليهما سؤال بريء وتساؤل أكثر براءة!
أمَّا المفارقات الواضحات الجليَّات،
فأبرزها اثنتان، أولاهما: معظم الأحكام الصادرة ضد المذكور قديمة، والقضايا معروفة
ومُتداولة، وتم نشر تفاصيل عدد منها، والمتهم مُتاح ومعروفٌ عنوانه، ويُسمح له
بالظهور المتكرر في وسائل الإعلام الرسمية، ومن ثمَّ فإن استخدام عبارة:
"مكان اختفاء المتهم" ينطوي على كوميديا شديدة السواد! وثانيهما: انفعال
المذكور على قوة الأمن التي اقتادته لأحد مراكز التأهيل والإصلاح وترديده العبارة
المصرية الفلكورية الشهيرة: "إنتم مش عارفين أنا مين"؟..الناس كلها
عارفة إنت مين يا "بحيري"..إنت بس اللي مش عارف حقيقة نفسك!
في شأن المفارقات التائهات الخفيَّات،
فإن أبرزَها اثنتان مرتبطتان ببعضهما، أولاهما: ترحيل المتهم إلى أحد مراكز
التأهيل والإصلاح؛ وهو ما يهدد الانضباط الديني والالتزام الأخلاقي لـ"السادة
المساجين"؛ حيث قد ينجح المذكور في
استمالتهم إلى أفكاره "الشاذة"، وإغوائهم بالانضمام إلى مركز
"تكوين" المشبوه والمثير للجدل، لكن من حُسن خظهم أنه تم الإفراج عنه
سريعًا. وثانيهما: خلو التقارير المتداولة عن توقيف المتهم من ذِكر مركز
"تكوين" الذي تم إنشاؤه تحت مظلة رسمية، وكان المذكور حاضرًا ملء السمع
والبصر أمام الأجهزة المعنية، وليس "مُختفيًا أو مُختبئًا" كما ذكرت
التقارير.
أمَّا المفارقة شديدة السخف والسماجة،
فتتمثل في وصف المتهم الموقوف بـ"الباحث الإسلامي" و"مقدم البرامج
الدينية"، وكلا الوصفين كاذب مُنحط، فلم يكن المذكور يومًا "باحثًا
إسلاميًا"، بالمعني الأكاديمي والكلاسيكي، ولا "مقدم برامج دينية"؛
فالشاب المفتون بنفسه لم يكن أكثر من "عابث بالتراث الديني"، يهرف فيه
بما لا يعرف، ومُساجلاته السابقة مع وزير الأوقاف الحالي تُنبئ بخلل واضح عنده في
الفهم والاستيعاب، بل والقراءة السليمة أيضًا، ولطالما كشف الوزير الحالي عن عوار
المذكور سالف الذكر مرات ومرات، كما إن البرامج التي قدمها الموقوف لا يمكن وصفها
بـ"الدينية"؛ بدليل أن الأزهر الشريف –الذي يأتي دائمًا متأخرًا- انتفض
هذه المرة ضده، وطالب بمنع ما يطرحه في هذه البرامج من تحريف وتخريف وتحقير لعلماء
الإسلام المتقدمين وفقهاء الأمة الثقات، واتهمه بازدراء الإسلام.
أمَّا
الملاحظتان، فأولاهما تكمن في حالة الاحتفاء الشديد جدًا في فضاء الإنترنت من خبر
توقيف "بحيري" واقتياده للسجن، حتى لو كان سويعات قلائل، خاصة أن
الأحكام الصادرة ضده غيابية وأول درجة، ويمكن معارضتها، وهو ما حدث فعلاً، ومن ثم
تم إطلاقه من جديد، ولكن حالة "الاحتفاء/ الشماتة" –وهي ليست من طبائع
المصريين- ناجمة عن الفرحة في شخص رضي لنفسه أن تكون مطية ومعول هدم ضد الإسلام،
فضلاً عن غروره وعنجهيته التي ليس لها ما يبررها. أما الملاحظة الثانية فتتجسد في
الصمت المريب لشمطاوات الفضاء الإلكتروني وحمَّالات الحطب اللاتي كن يبايعن المتهم
أميرًا للتجديد، وفيلسوفًا للتنوير، وآخر حكماء الزمان، رغم أنه لا يكاد لا يبين!
أمَّا السؤال الذي يطرح نفسه فهو: متى
يتم مساءلة الموقوف بشأن ما أثاره الإعلامي البارز حافظ الميرازي في وقت سابق عن
تقاضيه أموالاً ودعمًا مفتوحًا من المخابرات الأمريكية؛ لتقديم برامج ومحتويات
مسيئة للإسلام عبر الشاشات والإذاعات المصرية، وهو ما حدث بنجاح ساحق خلال العشرية
الأخيرة ولا يزال؟ أليس لهذا الجُرم تكييف قانوني يستوجب المحاسبة والعقاب
والتجريس؟ أم إن الإساءة إلى الإسلام مباحة ومستباحة وجائزة؟!
أمَّا التساؤل الذي هو من لزوم ما يلزم
فهو: ما مستقبل مركز ضرار المعروف إعلاميًا بـ "تكوين الفكر العربي"؛
بعد استقالة يوسف زيدان، ثم اتهام إسلام بحيري بالنصب وإصدار شيكات دون رصيد، وهل
فعلاَ إبراهيم عيسى هو من حرَّض ضد الأخير؛ ليخلو له "الجو" داخل
منتداهم الذين يأتون فيه المنكر، أم مجرد شائعات مغرضة لا أساس لها من الصحة
و"العافية"؟!